فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{مّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} أي: يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر، أو جلب نفع، ابتغاء لوجه الله تعالى، ومنه حمل المؤمنين على قتال الكفار.
{يَكُن لّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا} وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها.
{وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيّئَةً} وهي ما كانت بخلاف الحسنة، بأن كانت في أمر غير مشروع.
{يَكُن لّهُ كِفْلٌ مّنْهَا} أي: نصيب من وزرها الذي ترتب على سعيه، مساوٍ لها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء.
فوائد:
الأولى: قال السيوطيّ في الإكليل: في الآية مدح الشفاعة وذم السعاية وهي الشفاعة السيئة، وذكر الناس عند السلطان بالسوء، وهي معدودة من الكبائر.
الثانية: روي في فضل الشفاعة أحاديث كثيرة، منها:
ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أحب».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بَرِيرَةَ وزوجها قال: قال لها النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «لَوْ رَاجَعْتِهِ!» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قال: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ»، قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ، رواه البخاريّ.
الثالثة- قال مجاهد والحسن والكلبي وابن زيد: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه، فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه، فهو شفاعة سيئة.
ثم قال الحسن: من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر، وإن لم يشفع، لأن الله يقول: من يشفع، ولم يقل: من يشفع، ويتأيد هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوْا»، نقله الرازيّ.
الرابعة: قال الزمخشريّ: الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من الحقوق، يعني الواجبة عليه، والسيئة ما كان بخلاف ذلك، وعن مسروق: أنه شفع شفاعة، فأهدى إليه المشفوع جارية فغضب وردها، وقال: لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، ولا أتكلم فيما بقي منها. انتهى.
وروى أبو داود: أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «مَنْ شَفَعَ لأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا، فَقَبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا».
وهذا الحديث أورده أيضًا المنذري في «كتاب الترغيب والترهيب» في ترجمة (الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه) ثم ساق حديث الشيخين وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَ الدُنيَا يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى الطبراني بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «من ما عبد أنعم الله نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرّم، فقد عرّض تلك النعمة للزوال».
وروي نحوه عن عائشة وابن عمر وابن عَمْرو.
وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه عن عائشة- رَضِي اللّهُ عَنْهَا- قالت: قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ برٍّ، أو تيسير عسير، أعانه الله إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام».
وفي رواية للطبراني عن أبي الدرداء: «رفعه الله في الدرجات العلا من الجنة».
وروى الطبراني عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم».
ورواه عن عمر مرفوعًا بلفظ: «أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن».
ورواه بنحو ذلك أيضًا عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم، انظر الترغيب.
الخامسة: نكتة اختيار النصيب في (الحسنة) والكفل في (السيئة) ما أشرنا إليه، وذلك أن النصيب يشمل الزيادة، لأن جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصَّعب، ثم استعير للمثل المساوي، فلذا اختير، إشارة إلى لطفه بعباده، إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات، ويقال: إنه وإن كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره، كقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ} [الحديد: 28]، فلذا خص به السيئة تطرية وهربًا من التكرار.
و(مِنْ) بيانية أو ابتدائية، أفاده الخفاجي.
{وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ مّقِيتًا} أي: مقتدرًا، من (أقات على الشيء) إذا اقتدر عليه كما قال:
وذي ضِغْنٍ كففتُ النفس عنه ** وكنتُ على مساءته مُقيتًا

أي رب ذي حقد عليّ كففت السوء عنه مع القدرة عليه، أو شهيدًا حافظًا، واشتقاقه من (القوت) فإنه يقوي البدن ويحفظه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا}
وما هي الشفاعة الحسنة؟ الذين من الريف يعرفون مسألة «الشُّفْعَة» في العرف. فيقال: فلان أخذ هذه الأرض بالشفعة. أي أنه بعد أن كان يملك قطعة واحدة من الأرض، اشترى قطعة الأرض المجاورة لتنضم لأرضه، فبدلًا من أن تكون له أرض واحدة صارت له أرضان.
وعندما يأتي واحد لشراء أرض ما، فالجار صاحب الأرض المجاورة يقول: أنا أدخل بالشفعة، أي أنه الأولى بملكية الأرض. إذن فمعنى يشفع، هو من يقوم بتعدية أثر الموهبة منه إلى غيره من إخوانه المؤمنين ولهذا فإنه يكون له نصيب منها.
فالشفاعة الحسنة هي التوسط بالقول في وصول إنسان إلى منفعة دنيوية أو أخروية أو إلى الخلاص من مضرّة وتكون بلا مقابل. إذن فكل واحد عنده موهبة عليه أن يضم نفسه لغير الموهوب، فبعد أن كان فردًا في ذاته صار شفعًا. ولذلك يقال: فلان سيشفع لي عند فلان، أي أنه سيضم صوته لصوت المستعين به. والحق سبحانه وتعالى فيما يرويه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قال لسيدنا داود: إن الرجل ليعمل العمل الواحد أحكِّمه به في الجنة.
أي أن رجلًا واحدًا يؤدي عملا ما، فيعطيه الله فضلًا بأن يقوم بتوزيع الأماكن على الأفراد في الجنة، وكأنه وكيل في الجنة، أي أنه لا يأخذ منزلا له فقط، ولكنه يتصرف في إعطاء المنازل أيضًا، فتساءل داود: يا رب ومن ذلك؟ قال سبحانه: مؤمن يسعى في حاجة أخيه يحب أن يقضيها قضيت أو لم تقض.
قال صلى الله عليه وسلم: «من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوما ابتغاء وجه الله تعالى جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أبعد مما بين الخافقين».
ذلك لأن العبد الذي سعى في قضاء حاجة أخيه يكون قد أدى حق نعمة الله فيما تفضل به عليه، ويكون من أثر ذلك أنه لا يسخط أو يحقد غير الواجد للموهبة على ذي الموهبة. وبذلك فسبحانه يزيل الحقد من نفس غير الموهوب على ذي الموهبة؛ فغير الموهوب يقول: إن موهبة فلان تنفعني أنا كذلك، فيحبّ بقاءها عنده ونماءها لديه.
ويقول الحق: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} ثم يأتي الحق بالمقابل، فهو سبحانه لا يشرع للأخيار فقط، ولكنه يضع الترغيب للأخيار ويضع الترهيب للأشرار، فيقول: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا}.
ولنر المخالفة والفارق بين كلمة «النصيب» وكلمة «الكفل». كلمة «النصيب» تأتي بمعنى الخير كثيرا. فعندما يقول واحد: أنت لك في مالي نصيب.
هذا القول يصلح لأي نسبة من المال. أما كلمة «كفل» فهي جزء على قدر السيئة فقط. وهذا هو فضل من الله، فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وهذا نصيب كبير. ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها.
وهذه الآية قد جاءت بعد تحريض الرسول للمؤمنين على القتال، أي أنك يا رسول الله مُطالب بأن تضم لك أناسًا يقاتلون معك؛ فتلك شفاعة حسنة سوف ينالون منها نصيبًا كبيرا وثوابا جزيلا.
أما قول الحق: {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} أي يكون له جزء منها، أي يصيبه شؤم السيئة، أما الجزاء الكبير على الحسنة فيدفع إلى إشاعة مواهب الناس لكل الناس. وما دامت مواهب الناس مشاعة لكل الناس فالمجتمع يكون متساندًا لا متعاندًا، ويصير الكل متعاونًا صافي القلب، فساعة يرى واحد النعمة عند أخيه يقول: «سيأتي يوم يسعى لي فيه خير هذه النعمة».
ولذلك قلنا: إن الذي يحب أن تسرع إليه نعم غيره فليحب النعم عند أصحابها. فإنك أيها المؤمن إن أحببت نعمة عند صاحبها جاءك خيرها وأنت جالس. وإذا ما حُرمت من آثار نعمة وهبها الله لغيرك عليك فراجع قلبك في مسألة حبك للنعمة عنده، فقد تجد نفسك مصابًا بشيء من الغيرة منها أو كارهًا للنعمة عنده، فتصير النعمة وكأنها في غيرة على صاحبها، وتقول للكاره لها: «إنك لن تقربني ولن تنال خيري».
ويختم الحق الآية: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} جاء هذا القول بعد الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة، وفي ذلك تنبيه لكل العباد: إياكم أن يظن أحدكم أن هناك شيئًا مهما صغر يفلت من حساب الله، فلا في الحسنة سيفلت شيء، ولا في السيئة سيضيع شيء. وأخذت كلمة {مُقيتًا} من العلماء أبحاثًا مستفيضة. فعالم قال في معناها: إن الحق شهيد، وقال آخر: «إن الحق حسيب»، وقال ثالث: إن «مقيتًا» معناها «مانح القوت» ورابع قال: «إنه حفيظ» وخامس قال: «إنه رقيب».
ونقول لهم جميعًا: لا داعي للخلاف في هذه المسألة، فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه وقد تتعدد اللوازم، فكل معنى من هذه المعاني قد يكون صحيحًا، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها. و«مُقيت» من «قاته» أي أعطاه القوت، ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهو مقيت بمعنى أنه يعطيهم ما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضًا: المحافظ عليهم فهو الحفيظ. وبما أنه سبحانه يعطي القوت ليظل الإنسان حيًا، فهو مشاهد له فلا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته فهو حسيب.
وبما أنه يرقب سلوك الإنسان فهو يجازيه.
إذن كل هذه المعاني متداخلة ومتلازمة؛ لذلك لا نقول اختلف العلماء في هذا المعنى، ولكن لنقل إن كل عالم لاحظ ملحظًا في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي على صواب، فلا يعطي القوت الأصلي إلا المراقب لعباده دائمًا، فهو شهيد، ولا يعطي أحدًا قوتًا إلا إذا كان قائمًا على شأنه فهو حسيب. وسبحانه لا يُقيت الإنسان فقط ولكن يقيت كل خلقه، فهو يقيت الحيوان ويلهمه أن يأكل صنفًا معينًا من الطعام ولا يأكل الصنف الآخر.
إننا إذا رأينا العلماء ينظرون إلى «مقيت» من زوايا مختلفة فهم جميعا على صواب، سواء من جعلها من القوت أو من الحفظ أو من القدرة أو من المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلى لازم كلمة «مقيت» وسبحانه يقيت كل شيء، فهو يقيت الإنسان والحيوان والجماد والنبات.